Quantcast
Channel: منتدى المهندس - أحدث الموضوعات
Viewing all articles
Browse latest Browse all 6628

وما أدراكم مَن عُمر؟!

$
0
0

كتب @AlSanaa:

بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخواني وأخواتي روّاد مُنتدى المُهندس؛مقال قيم في رحاب السيرة العطرة؛
لفاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاهُ.

:: وما أدركم من عُمر! ::

عمر بن الخطاب، وما أدراكم مَن عمر؟!

هو هامَة تتطلَّع إليها الهِمم، وقامَة عُليا لا تُطاولُها القمم، إن قلتُ: فاق الثريا بَخَسْتُه، وإن قلتُ: بلغ الذُّرى عِبْتُه، يكفيه ما قال فيه نبيُّه صلى الله عليه وسلم ((لو كان بعدي نَبي لكان عمر))، قال عنه حُذيفة رضي الله عنه: "لمَّا أسلم عُمرُ كان الإسلامُ كالرَّجُل المُقبل، لا يزدادُ إلا قُربًا، فلمَّا قُتل عُمرُ كان الإسلامُ كالرَّجُل المُدبِر، لا يزدادُ إلَّا بُعدًا".


فضائلُه رضي الله عنه جمَّة، رجلٌ بأمَّة، كيف يُفرى فَرِيُّه؟! منذ دخل في الإسلام أعزَّ جندَه، وكبت أعداءَه، كان إسلامه بعد دعاء النَّبي أن يعزَّ الإسلام بأحد العُمَرين؛ هو أو عمرو بن هشام، فأصابَتْه دعوةُ النَّبي، فصار خيرةَ جنده، وثاني وزرائه، لمَّا أسلم رضي الله عنه أبى إلَّا أن يبارز أهلَ مكَّة بما يراه حقًّا، وآزره على ذلك حمزةُ، فخرج أمام المسلمين للكعبة بصفٍّ، وخرج عمرُ بصفِّه، لهم كديدٌ ككديد الرَّحى (كصوت الرحى وهي تطحن، قريب من صوت كتيبة الجنود).


وما زال يجالِد الكفَّارَ ويجالدونه حتى قال لهم: "اصنعوا ما بدا لكم، فأُقسِم بالله لو كنَّا ثلاثمائة رجُلٍ تركتُموها لنا، أو تركناها لكم"! (يقصد مكة).


فلما آن أوان الهِجرة بعد أن أذِن لهم النبيُّ، ما كان أحد يريد الهجرة إلَّا تحيَّن غفلات الكافرين وتخفَّى، ثمَّ انطلق نحو المدينة متسترًا، أمَّا عمرُ، فلمَّا همَّ بالهجرة تقلَّد سيفَه، وحمل قوسَه وأسهُمَه، وتوجَّه نحو الكعبة، وأهلُ مكة وكبراؤها متحلِّقون حول البيت حِلَقًا، فطاف بالبيت سبعًا مطمئنًّا متمكنًا، ثمَّ أتى المقام فصلَّى مطمئنًّا متمكنًا، ثم أتى كلَّ حلقةٍ عند الكعبة واحدةً تلو الأخرى، وقال لهم: "شاهَتْ وجوهكم لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، إنِّي مهاجرٌ! فمَن أراد أن تثكله أُمُّه، وييتَّم ولده، وتُرمل زوجته، فلْيَلْقَني خلف هذا الوادي!"، فما تبِعه منهم أحدٌ.


ولما حطَّ رحالَه بالمدينة، ثمَّ الْتأَم شَملُ المسلمين بهجرة النَّبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر، وبدأ عهد جديد لدولة الإسلام في المدينة المنورة - كانت لعمر بالمدينة مع النَّبي وقفاتٌ تَشهد بصِدقه وحَزمه وعزمه، وحبِّه للدين وللنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فشهد عُمر بن الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بَدرًا، وأُحدًا، والخندق، وبيعةَ الرضوان، وخيبر، والفتح، وحُنَيْنًا، وغيرها من المَشاهد، ما تخلَّف عن واحدة منها، وما توانى في نُصرة الإسلام ونبيِّه في سِلْمه وحَرْبه التي أنهك فيها جندَ الكفر وأرهقهم.


وظلَّ عمر يناوب مع أخٍ له في المدينة ملازمة النَّبي يومًا والضرب في الأرض يومًا؛ فلا يُضيِّع مَن يعول، ولا يفارِق الرسول، حتى شهِد له النَّبي صلى الله عليه وسلم بالعِلم برؤيا رآها، ورؤيا النَّبي وحيٌ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((رأيتُ كأنِّي أُتيتُ بقدح لبنٍ، فشربتُ منه، وأعطيتُ فَضلي عمرَ بن الخطَّاب))، فقالوا: ما أوَّلتَه يا رسولَ الله؟ قال: ((العلم)).


وواصَل عمر في اكتساب الفضائل، حتى قال عنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الشيطان يفرُّ منكَ يا عمر))، وقال: ((لو سلَك عمر فجًّا، لسلَك الشيطان فجًّا غير الذي سلَك عمر))، وقُبض النَّبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ، ثمَّ كان سهمًا في كِنانة أبي بكر، أينما أراد أرسله وأطلقه، حتى مات أبو بكر وهو عنه راضٍ، وكان آخِر عهد أبي بكر به هذا الكتاب وهو على فِراش الموت، أمر عثمانَ أن يكتب: "بسم الله الرَّحمن الرحيم، هذا ما عَهد أبو بكر بنُ أبي قُحافة في آخر عهده بالدُّنيا خارجًا منها، وعند أوَّل عهده بالآخرة داخلًا فيها؛ حيث يُؤمن الكافرُ، ويوقنُ الفاجرُ، ويصدُقُ الكاذبُ، أنَّني استخلفتُ عليكم بَعدي عُمر بن الخطَّاب، فاسمعوا له وأطيعوا، وإنِّي لم آلُ اللهَ ورسوله ودينه ونفسي وإيَّاكم خيرًا؛ فإنْ عدل فذلك ظنِّي به، وعِلمي فيه، وإن بدَّل فلكلِّ امرئٍ ما اكتسب، والخيرَ أردتُ، ولا أعلمُ الغيبَ، وسيَعلمُ الذين ظلموا أيَّ مُنقلب ينقلبون، والسَّلامُ عليكم ورحمةُ الله"، ثم أمَر بالكتاب فختمه، ثمَّ أمره فخرج بالكتاب مختومًا ومعه عمر بن الخطاب.


فولي عمر أمرَ المؤمنين، ووقف خطيبًا بين رعيَّته يقول: "بلَغني أنَّ الناس خافوا شدَّتي وهابوا غِلظتي، وقالوا: لقد اشتدَّ عمر ورسولُ الله بين أظهرنا، واشتدَّ علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمورُ إليه؟! ألَا فاعلموا أيها الناس أنَّ هذه الشدة قد أُضعِفتْ - أي: تضاعفَتْ - ولكنَّها إنَّما تكون على أهل الظُّلم والتعدِّي على المسلمين، أمَّا أهل السلامة والدِّين والقصد، فأنا ألين إليهم مِن بعضهم لبعض، ولست أدعُ أحدًا يَظلم أحدًا أو يعتدي عليه، حتى أضع خدَّه على الأرض وأضع قدمي على خدِّه الآخر؛ حتى يُذعِن للحقِّ، وإنِّي بعد شدَّتي تلك لأضَعُ خدِّي أنا على الأرض لأهل الكفاف وأهلِ العفاف.


أيها الناس، إنَّ لكم عليَّ خصالًا أذكرها لكم، فخذوني بها، لكم عليَّ ألَّا أجتبي شيئًا من خَراجكم وما أفاء الله عليكم إلَّا من وجهه، ولكم عليَّ إن وقع في يدي ألَّا يخرج إلا بحقِّه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى، ولكم عليَّ ألَّا أُلقيكم في التهلكة، ولكم عليَّ أن أسدَّ ثغوركم إن شاء الله تعالى، ولكم عليَّ إن غبتم في البعوث - أي: المعارك - فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم، فاتَّقوا الله وأعينوني على أنفسكم بكفِّها عنِّي، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وإحضار النَّصيحة فيما ولَّاني الله من أموركم".

فسار عمرُ على هذا النَّهج الذي رسمه منذ توليه، وما حاد عنه؛ بل زاد تواضعًا وخشية لله، ويكثر أن نرى في سيرته ما يَعجِز المرءُ عن تصوُّره من رجلٍ دانَت له الجزيرة، واتَّسعَتْ في عهده الفتوحُ، وأذعنَتْ له رِقابُ الملوك، فما زاد في طعامه عن أدنى القوت، ولا في ملبسه عن سترٍ.


ومن هذه المواقف التي تَأخذ بلبِّ مَن يطالعها لترسم فيه قدرَ متع الدنيا التي تتضاءل إلى حدِّ التلاشي أمامَ عظَمةِ هذا الجيل الأول، وكأنَّهم يرونها رأي عين أدنى من جَناح البعوض لا مراء فيه ولا زيغ، تمامًا كما صوَّرها لهم ربُّنا؛ لنعرف قدرَ إيمان هذا الجيل، حتى لكأنَّنا أمام تِلك المَشاهد الباهرة لنحسُدُ نعالًا حملَتْهم، ونشعر أنَّهم ليسوا كهيئتنا ولسنا كهيئتهم؛ لما نرى من أخذهم لدينهم بقوَّة وضعفنا عن تلك الفعال:

وقف أعرابيٌّ على عُمر بن الخطَّاب فقال:

يا عُمر الخير جُزيتَ الجنَّهْ :diamonds::diamonds::diamonds: جهِّز بُنيَّاتي واكْسُهُنَّهْ

أُقسمُ بالله لتفعلنَّه

قال:

• فإن لم أفعل يكونُ ماذا يا أعرابيُّ؟

قال:

أُقسِمُ بالله لأمضينَّه.

قال:

• فإن مضيت يكونُ ماذا يا أعرابيُّ؟

قال:

واللهِ عن حالي لتُسألنَّه ثمَّ تكونُ المسألاتُ عنَّه والواقفُ المسؤولُ بينهنَّه إمَّا إلى نارٍ وإمَّا جنَّةْ

قال: فبكى عُمرُ حتى اخضلَّت لحيتُه بدُموعه، ثمَّ قال: يا غُلامُ، أعطِه قميصي هذا؛ لذلك اليوم، لا لِشِعره، والله ما أملك قميصًا غيره!

....................................................

يُتبع بحول الله تعالى.

المنشورات: 2

المشاركون: 1

اقرأ كامل الموضوع


Viewing all articles
Browse latest Browse all 6628

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>