كتب @AlSanaa:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاتهإخواني وأخواتي روّاد مُنتدى المُهندس؛
مقالٌ إرشاديّ قيّم؛ في مجالِ الهندسة المعماريّة.الأساس الأهم للتصميم الهندسي لمباني مؤسسات خدمة المتقاعدين والمتقاعدات
- هشام محمد سعيد قربان.
/
مقدمة:
إن المبانيَ منذ القِدم - بتنوعها - ما هي إلا وسائل، وليست غايات في ذاتها، وهذه الوسائل موصلة إلى غايات وحاجات وُجدت لدى الإنسان قبل تشييد هذه المباني.
أظن - والله أجل وأعلم - أن الغايةَ الأولى التي دفعت الإنسان القديم لاختيار سكنى الكهوف - مثلًا - هي حاجته لمأوى يحميه من البرد والمطر والرياح وأخطار أخرى، وبعدها أدخل الإنسان على كهفه تعديلات، وجرَّبها لتلبية حاجات أخرى، مثل: الملكية الفردية، والخصوصية، والتهوية، والحماية من الأعداء، ووسائل للإنذار المبكر، والمرتبة الاجتماعية، وحاجيات الغذاء والشراب له ولأسرته، فجعل للكهف بابًا ومدخلًا ومنفذًا للتهوية، وقسَّم الكهف إلى أجزاء وظيفية، يلبي كل منها حاجة من حاجاته.
كما أدرك الإنسان أن بإمكانه بناءَ مأوًى يحاكي الكهف، باستعمال الحجارة أو مواد أخرى، مثل: أغصان الأشجار والطين.
أعتقد أن الحاجة التعبيرية والجمالية كانت - ولم تزل - من الحاجات الغريزية الدفينة لدى الإنسان، وكذلك من الحاجات الدافعة للتصميم ما يتعلق بمنظور الإنسان للحياة والموت، وتصوره لمرحلة ما بعد الموت؛ لذا أدخَل على منزله لمساتٍ جمالية مستوحاة من بيئته وديانته وخياله، ونقش على جدران منزله رسومًا يصف بها محيطه وأعداءه، وأهم أحداث حياته، وما يتوقعه بعد مماته.
لقد تحوَّر وتطور مفهوم الإنسان عن هذه المباني وتصميمها، ومواد البناء المستخدمة عبر الزمن مع تطور معارفه، ونمو رصيده التجريبي، واطلاعه على تجارِب الآخرين.
لعل مِن أهم الدروس والعلاقات التي تعلمها الإنسان منذ القدم إلى عصرنا هذا: أن الحاجة هي الأساس الأهم والمنطلق في تصميم المباني المختلفة، وكما نلحظ تفاوت مرتكز تعريف الإنسان للحاجة، فتارة يقدم الوظيفة على الحاجات الجمالية للمباني، وفي ظروف أخرى نجده يقدم الحاجة الجمالية الفنية على الحاجات الوظيفية، وأحيانًا يوازن بين الحاجة الوظيفية والبُعد الجمالي.
ليس هذا عرضًا مفصلًا لتاريخ العمارة وهندستها، ولكنه إطلالة سريعة وعجِلة تحاول تفسير ما تركِّز عليه كثير من مدارس التصميم الهندسي للمباني من ضرورة تأسيس التصميم الهندسي على فهمٍ دقيق ومفصل للاحتياجات الوظيفية والنفسية والجمالية لمستخدمي هذه المباني؛ أفرادًا وجماعات، ومنشآت ومجتمعات.
إن الناظرَ للمؤلفات الحديثة المتخصصة في تعليم التصميم الهندسي يجدها تذكر في مستهل خطوات التصميم الهندسي للمنشآت مرحلة تهتم بفهم الاحتياجات المبتغاة من المبنى المراد تصميمه، وتطلعات الجهة الممولة لتصميم البناء وبنائه وتشغيله، ويصطلح بعضُهم على تسميتها بالمعطيات للتصميم الهندسي، أو حاجات المستخدم، وتسمى باللغة الإنجليزية مرحلة ملخص التصميم: Design Brief
يعترف البعضُ من العاملين في مجال التصميم الهندسي أنهم في أحايينَ كثيرة لا يُولُون مرحلة فهم المعطيات والاحتياجات أهمية ووقتًا وجهدًا كافيًا، ويعتذر بعضهم بتدني وعي وقلة صبر وتعجل من يستخدمهم لعمل التصاميم، مما يضطرهم إلى تجهيز تصاميمَ هندسية جميلة المظهر، تقدم هدف إغراء وإرضاء العملاء ومجاراة عجلتهم على هدف أعلى وأسمى، هو إعطاء كل مرحلة من مراحل التصميم ما تستحقه من جهد وفكر ومنهجية، ونخص بالذكر هنا مرحلة فهم المعطيات واحتياجات وأهداف الجهة والفئات المستهدفة من المباني المراد تصميمها.
إن جمال التصميم - مع نسبيته - أمرٌ مطلوب ومهم؛ فهو يلبي حاجة من حاجات الفئات المستهدفة لأي مبنى أو منتج يراد تصميمه، ولكن الحاجة الجمالية لا تكفي وحدها في التصميم الهندسي؛ فلا بد من تناغم اللمسات الجمالية في التصميم مع حاجات أخرى، منها: ما هو وظيفي مباشر يسهل معرفته، ومنها ما يتصل بالطبيعة البشرية عمومًا، والذوق المجتمعي والاعتبارات الحضارية والدينية الخاصة، ولمعرفة هذا الصنف العريض من الحاجات يحتاج المصمم إلى بذل مزيد جهد في دراسة المجتمع والمحيط الذي يستهدفه التصميم، والذي يتوقع توافق التصميم مع ذوقه وحضارته ومنظوره الجمالي الخاص، فليس كل تصميم جميلٍ في ذاته مقبولًا عند الفئات المستهدفة.
يوضح الشكل الإيضاحي رقم 1 هذه الفكرة بطريقة مقنعة، ولكنها قد تكون صادمةً للبعض، وهذا يجعلنا نَدين لهم بالاعتذار سلفًا؛ فمقصدنا هنا الدلالة والإقناع.
نرى في هذا الشكل رقم 1 تصميمًا لما يسميه البعض بكرسي الحمام الإفرنجي، لعل مَن صمَّمه يصفه بالجمال من جهة جمال وصفاء مادة البلور التي صنع منها، كما يذكر المصمم أن هذا النوع من البلور مقاوم للكسر، ويحافظ على صفائه لمائة عام، والبلور مادة لا تلوث البيئة، ولكن النفس الإنسانية لها حاجات أخرى يصادمها هذا التصميم بقوة، مما يجعله مرفوضًا ومستقذَرًا؛ فالنفس كما تحتاج الجمال فهي تمقت القُبح، ويكمن في هذا الشعور حاجة للنفس غير مباشرة، هي حمايتها من القبح، فهي تستهجن - فطرةً - من النظر إلى البراز والبول، وتعدها من القاذورات؛ فجمال هذا التصميم للحمام الإفرنجي في ذاته لا يكفي، بل إن ما يدعي المصمم جماله يعُدُّه المستخدم لمثله قبحًا وقذارةً ومصادمة للذوق السليم؛ لذا فشِل هذا التصميم حين ركز على جوانب الحاجات الجمالية، وتغافَل عن الحاجات الذوقية الأعلى، والاعتبارات النفسية المرتبطة بالجمال والطُّهر والنظافة.
بناءً على هذه المقدمة، سيكون المدخل المفضَّل إلى المبحث الذي بين أيدينا هو: أهمية بل ضرورة أن تتقدم مرحلةُ فهم وتفصيل وتحديد احتياجات الإنسان المستهدف كلَّ المراحل الأخرى للتصميم الهندسي للمباني.
يُتبعُ؛ إن شاء اللهُ تعالى.
المنشورات: 2
المشاركون: 1